تهريب الآثار من باطن الأرض لصالات المزادات

يعتبر التراث الثقافي إرثاً للشعوب، ملكاً لها، ومحدداً لهويتها، وإنطلاقاً من هذا فإن الحفاظ على التراث الثقافي للأجيال القادمة يمثل قضية هامة، ويجب أن تشغل أولوية كبرى. وقد توضع حماية التراث الثقافي في صدارة أولويات بعض الدول التي قد لا تعاني من مشكلات إقتصادية أو سياسية وأبرزها النزاع المسلح. والعكس صحيح، فتختلف أولويات الدول التي تعاني من تلك المشكلات، ولا تكون حماية التراث الثقافي على رأس تلك القائمة

    ولسوء الطالع، تعاني العديد من الدول صاحبة التراث الثقافي العتيد من هذه المشكلات، فمنطقة الشرق الأوسط على صفيح ساخن بعد ثورات الربيع العربي، وانتقلت هذه السخونة إلى مواقع التراث الثقافي لا سيما المواقع الأثرية، وحدثت العديد من الإنتهاكات على المواقع الأثرية بشكل فج، سواء بالقصف والهدم كما يحدث في سوريا والعراق، أو بالتعدي بالحفر والسرقة كما يحدث في مصر وليبيا

     وفي أقل من شهرين، تم الإعلان عن حادثتين مختلفتين: الأولى هى القبض على أحد تجار الآثار في برشلونة ويدعى Jaume Bagot، وشريكه Oriol Carreras Palomar وذلك بعد ضبط قطع أثرية تنتمي للعصر اليوناني الروماني، يعتقد أنها مسروقة من كل من مصر وليبيا. وقد أعلنت السلطات الليبية السير في إجراءات استرداد القطع التي يرجح خروجها من كل من 3 مناطق: أبولونيا- مدينة سوسة الحالية- الميناء الشهير لمدينة طرابلس أو تريبولي وهو الاسم الإغريقي للمدينة التي كانت مستوطنة إغريقية، والبيضاء، وقوريني الشهيرة – مدينة الشحات الحالية- بتراثها الثقافي المسجل على قائمة اليونسكو للتراث العالمي. وتعتقد السلطات الإسبانية أن هذه القطع قد خرجت من ليبيا أثناء استيلاء داعش عليها

   أما الحادثة الثانية: فهي ضبط الآلاف من القطع الأثرية المتنوعة في حاوية دبلوماسية خرجت من ميناء الاسكندرية في مصر متجهة إلى إيطاليا. وقد صرحت السلطات المصرية – بشكل أولي- أن القطع الأثرية المصرية ضمن هذه المجموعة يبلغ عددها 118 قطعة. كما تم الإعلان عن تشكيل لجنة من المتخصصين لمعاينة القطع الأثرية وتحديد القطع المصرية منها تمهيداً لاسترداده

1

    وبالنسبة إلى القطع الأثرية المسروقة، فإنها تجد طريقها إلى خارج موطنها الأصلي بالتهريب بشكل غير شرعي. وللأسف فإن الكثير من تلك القطع يتم رصدها في صالات المزادات بعد خروجها بالفعل. ولإدراك حجم المشكلة، يجب التوقف عن نقطة هامة وهى: أن القطع ناتج الحفر غير الشرعي هى قطع خرجت من باطن الأرض في الظلام، دون أية معلومات مسجلة عنها، وبالتالي لا يمكن رصدها سوى بإثبات عدم شرعية خروجها من دولة المصدر في المنافذ البرية، البحرية والجوية، أو إثبات عدم شرعية دخولها دولة السوق عن طريق الجمارك. ونظراً للعديد من الأسباب، فإن العديد من القطع تعرف طريقها إلى سوق الآثار الذي لا ينضب أبداً، فهو من أكثر الأسواق نمواً، وتعطشاً للمزيد، رغم أن السلعة هنا (الممتلكات الثقافية بشكل عام) تستمد جزء من قيمتها من خلال عامل الندرة- بالإضافة إلى قيمتها الأثرية، التاريخية، الفنية، الإثنية. ويمكنك خلال دقائق معدودة أن تستطلع العديد من نوافذ هذا السوق من خلال شبكة الإنترنت التي ستجد عليها العديد من المفارقات فيما يخص بالقيمة السعرية أو ما يمكن أن نطلق عليه “سعر السوق” لتلك القطع، بحكم عدة عوامل أهمها: القيم الأثرية\ التاريخية \الفنية\ إثنوجرافية للممتلك الثقافي، وثائق الملكية وكذلك عامل الندرة وحالة القطعة وسلامتها

    وسنتوقف هنا على العامل الثاني، وهو وثائق الملكية، وقد يكون سبباً رئيسياً في وجود التفاوت في القيمة السعرية للممتلك الثقافي في السوق. وهو أمر بديهي، فوثائق الملكية هي المستند الدال على صحة خروج القطعة من دولة المصدر و\ أو صحة دخولها دولة السوق. ونظراً لأهمية سوق الآثار في دول المصدر كواحد من أهم الأسواق وأكثرها نمواً، فإن العديد من دول المصدر تغض الطرف عن صحة خروج الممتلك الثقافي من دول السوق، في مقابل وجود مستندات دالة على صحة دخول الممتلك الثقافي أراضيها. وفي حالة مطالبة دولة المصدر باسترداد ممتلكاتها الثقافية المنهوبة، يكون على عاتقها مسئولية إثبات عدم شرعية خروج الممتلكات الثقافية من أراضيها. والأمر المثير للسخرية، أنه ليس بالأمر السهل أبداً على دولة – مصر مثلاً- إثبات أحقيتها لأحد المومياوات أو التماثيل الفرعونية – معروضة مثلاً في دولة من دول السوق (الأوربية على سبيل المثال)- في حالة عدم وجود ما يثبت “إدعاء” دولة المصدر (مصر في هذه الحالة)، ويكون الحصول على تلك القطعة من حق حائزها الذي – فقط- يمتلك أوراق تثبت صحة “دخول” القطعة إلى دولة السوق. وهذا بناء على إتفاقية اليونسكو – باريس 1970 الخاصة بالتدابير اللازمة لمنع وحظر بيع وشراء وتداول الممتلكات الثقافية بطريقة غير مشروعة

مصادر

http://www.rai.it/dl/RaiTV/programmi/media/ContentItem-18f10c6d-90d2-4b49-9c78-5ff6c431f347-tg1.html

http://artcrime.blogspot.com/search/label/J.%20Bagot%20Arqueolog%C3%ADa%20Ancient%20Art%20Gallery

 

Leave a comment